رجال رومانيون يأتون إلى لندن، أملا في الحصول على بعض النقود من المارّة، ليس عن طريق التسوّل ولكن من خلال نحت كلاب رملية.
على أرصفة عاصمة الضباب، ينطلق هؤلاء الرجال يوميا في نحت كلاب من الرمل، بكل تفان. كلاب ذات عيون حزينة أحيانا ومتسائلة أحيانا أخرى. هي أعمال فنية سريعة الزوال وكثيرا ما يمرّ المترجّلون أمامها وأمام صانعيها، مرور الكرام.
“عندما تنجز فيلما وثائقيا، تكون على تواصل مع أناس حقيقيين، وليس مع ممثلين. من الحتمي، أن أخلق صداقات مع شخصياتي.”
● كيف ولد هذا المشروع؟
كل شيء بدأ صدفة. كنت أشتغل على فيلم آخر، ذات صباح ، مررت بدراجتي على “هولواي روود”، وهو مكان كثير الحركية بلندن. على الرصيف، رأيت منحوتة رملية على شكل كلب. توقفت على الفور لإلقاء نظرة. كان أمرا سرياليا، أن أرى على رصيف عادي منحوتة، تتوقع رؤيتها عادة في العطلة، على الشاطئ.
راقبت النحات لبضع دقائق وعلمت لاحقًا أنه روماني. ثم أدركت أنه من الشائع أن يصنع الرومانيون منحوتات للكلاب في العديد من الأرصفة، في أنحاء المملكة المتحدة.
● كيف قابلت أوريل ونيكولاج وراج؟
العثور على محاوَرين لم يكن أمرا بسيطا، كما تخيّلته في البداية. قيل لي إن هناك نحاتي رمل في شمال وغرب لندن، لكن العثور عليهم لم يكن سهلا.
تلقيّت بعض النصائح، فقد اتصل بي تجار، عندما شاهدوا النحّاتين في شوارع متاجرهم. لكنّ هؤلاء النحّاتين، يتحركون كثيرا ويصعب بالتالي تحديد أماكنهم. في النهاية، قابلت أوريل ونيكولاج وراج. بدأنا الحديث ثم نشأت بيننا تدريجيا ثقة وصداقة، ما سمح لنا ببدء التصوير.
● كيف جرت عملية التصوير؟
التحدي الأكبر كان حاجز اللغة. إذ لا يتحدث أيّ من الرجال الثلاثة في الفيلم، اللغة الإنجليزية. كان علينا التواصل باستخدام التطبيق “ترجمة جوجل”على هاتفي، ثم عن طريق المترجمين الفوريين. لم يكن هذا الفيلم ممكنًا، دون مساعدة ثلاثة من المترجمين الرومانيين المذهلين، الذين تعاونوا معي أثناء التصوير والمونتاج.
● اخترت صورا تظهر لندن في صورة رتيبة، كأنها في أزمة، أو حالة إنطواء. نلاحظ أيضًا مسافة وحياءا في الطريقة التي تروي بها هذه القصة. ما هي المقاربة التي اعتمدتها؟
بالنسبة لفيلميّ الوثائقييّن الأخيرين، استخدمت الأسلوب ذاته. أصور بطريقة السينما المباشرة، ثم أسجل المقابلات تسجيلا صوتيا فقط، دون صورة. أثناء المونتاج، أستخدم كلام الشخصيات كصوت، أركّبه على صور المشاهدات والصور البيانية التي التقطتها.
لا تكون لدي انتظارات معيّنة، عندما أبدأ فيلما. أخوض في الموضوع بفضول خالص. عليّ التعرف أوّلا على المحاورين واستكشافهم. ومع ذلك، هناك دائمًا مسألة عامّة أود معالجتها. في هذا الفيلم، أردت التحدث عن الهجرة وعن مشاعر الاستياء تجاه المهاجرين، التي شهدناها في إنجلترا في السنوات الأخيرة. أدى ذلك إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أجده محبطًا للغاية.
لا أسعى إلى إخبار المشاهد بما عليه التفكير به، لكن آمل أن أتمكن من سرد القصة الكبيرة عن طريق سرد القصص الفردية.
● هل لديك أخبار عن الرجال الثلاثة الذين شاهدناهم في الفيلم؟
بقيت على اتصال وثيق مع اثنتين من شخصيات الفيلم. عندما تنجز فيلما وثائقيا، تكون على تواصل مع أناس حقيقيين، وليس مع ممثلين. من الحتمي أن أخلق صداقات مع شخصياتي.
هناك رابط نشأ بينهم وبيني. لا أقول إننا نتحدث هاتفيا، مرة كل شهر ولكننا بقينا باتصال ويسعدني دائمًا مساعدتهم عند الإمكان. لقد أطلقت أيضًا حملة لجمع التبرعات، حتى يتمكن المتفرجون من مساعدتهم.
● ما هي مشاريعك؟
أصورحاليا فيلمي الجديد. كل ما يمكنني كشفه في الوقت الحالي، هو أنه يدور في باريس ويتعلق أيضا بالهجرة. لكن بأسلوب مختلف قليلاً هذه المرة. سيكون الفيلم أطول من فيلميّ القصيرين السابقين وأنا متحمس لعرضه بمجرد الإنتهاء منه.
● كلمة عن 99.ميديا وعن تكييف فيلمك لعدة لغات؟
أأنا معجب جدّا بعمل 99.ميديا. من النادر حقا، أن تتم ترجمة حوارات فيلم لكل هذه اللغات. أعتقد أن هدف 99.ميديا في غاية الأهمية ، فهي تتيح للفيلم الوصول إلى مزيد من الأشخاص، الذين لم تسنح لهم الفرصة لمشاهدته، بسبب حاجز اللغة.